المسجد الحسيني الكبير

المسجد الحسيني “الكبير”

المسجد الحسيني ليس مجرد مسجد وحسب، بل هو تحفة معمارية محاطة بأربعة شوارع رئيسية تربط ضواحي عمّان القديمة بعضها ببعض، وتنتشر حولها الأسواق القديمة التي ما تزال تحمل ذاكرة المدينة وتحكي تاريخها، فعلى اليمين سوق السكّر، وعلى اليسار سوق البخارية، وليس بعيداً عنه سوق الحميدية، لذا فإن المسجد بأروقته الداخلية وساحاته الخارجية يجمع مرتادي السوق، والتجار، والشيوخ، والزوار العرب والأجانب.

يبلغ طول المسجد نحو 58.5 متراً، وعرضه نحو 12.5 متراً، وله رواق أمامي ورواقان جانبيان، وفي الوسط صحن المسجد، وعلى طرفَي الواجهة الكبيرة للمسجد ترتفع مئذنتان، إحداهما أطول من الأخرى، حيث ترتفع اليمنى 70 متراً، واليسرى 35 متراً، وهما تمنحان المسجد هيبةً وعراقة..

وتتميز جدران المسجد بنقوش مزركشة ومختلفة الأشكال، إذ إن الواجهة الرئيسية للمبنى مبنيّة من الرخام الوردي، ويتجاوز ارتفاعها 20 متراً ويبلغ سُمكها متراً ونصفَ المتر، وهناك أربع نوافذ واسعة على كلٍّ من جانبَي البوابة الرئيسة التي تزيّنها مع البوابات الأخرى أقواس نصف دائرية تضفي عليها جمالية شرقية.

تتوسط صحنَ المسجد نافورةٌ ذات نقوش بديعة، كانت متوضّأً في السابق، وهي تمنح الراحة للنفس حيث خرير الماء المتدفق فيها يمتزج بأنفاس المصلّين وصوت الإمام يتلو آيات الذكر الحكيم. وعلى يمين الصحن تقف خمسة أعمدة بيضاء، وفي مقدمته سبعة أعمدة تحمل بمجموعها الطابق الثاني.

أما بيت الصلاة فله ثلاثة أبواب، أوسطها هو المدخل الرئيسي، ويقوم سقفُ بيت الصلاة الذي تتهادى تحته النفوسُ مطمئنّةً، على دعائم تتعامد مع جدار القبلة، وروعي في تصميمه وبنائه المناخ الشتائي البارد لمدينة عمّان، إذ يخلو من النوافذ ما عدا أربعة جميعها على الجدار الشمالي، ويتوسط المحرابُ جدارَ القِبلة في مواجهة قبة المحراب، ويكتمل المشهدُ البهيّ بوجود المنبر إلى جواره، وهو المنبر الذي يقف عليه كبار علماء الدين والأئمة والفقهاء والقضاة يخطبون في الناس يوم الجمعة. وقد بُنيت داخل المسجد مقصورة، كان الملك المؤسس عبدالله بن الحسين يصلّي فيها. وفي أيام شهر رمضان الفضيل، كان جلالته يأتي إلى المسجد قبل موعد الإفطار، ويجلس مع أهل العلم، يتحدثون في الفقه وأحكام الصوم، ويتدارسون اللغة العربية، وكانت المجالس التي يجتمع فيها الملك بكبار العلماء تستمر خلال أيام الشهر الفضيل.

وقد أُرفق بالمسجد دارٌ لتعليم القرآن الكريم، ومكتبة تضم كتباً ومجلدات قديمة، دينية وتاريخية وفنية، ومجلات، وتسجيلات صوتية، بالإضافة إلى مرافق خاصة بصلاة النساء ووضوئهن.

الاعمار الهاشمي للمسجد

بعد قدوم الأمير عبدالله بن الحسين إلى عمّان وتأسيسه إمارة شرق الأردن في عام 1921، أمر سموّه ببناء “المسجد الحسيني” نسبةً إلى والده الشريف الحسين بن علي، رائد النهضة العربية الكبرى. وقد قام بوضع حجر الأساس لهذا المسجد عام 1341هـ/ 1923م وكان هذا الاعمار الهاشمي الأول للمسجد، على أنقاض المسجد العمري القديم.
وفي أثناء بناء المسجد الذي يُعَدّ من أقدم المساجد في المملكة، وُضعت فوق مدخله الرئيسي لوحة من الرخام نُقشت عليها أبيات الشعر التالية، وهي من نظم الشيخ سعيد الكرمي قاضي القضاة آنذاك:

  حسينُ ابنُ عونٍ مَن بنى مجد عدنان                   وصار أمير المؤمنين بلا ثاني

أعاد له حق الخلافة بعدما                              ثوت زمناً بالغصب في آل عثمان

لقد شاد في عمان للخير جامعاً                        بهمة عبدالله مرتفع الشأن

فجاءَ بحمد الله صرح ديانةٍ                             تأسس بالتقوى فأزرى بغمدانِ

 يعبر عن عليا حسين وآله                             وفوق المباني تنجلي همة الباني

 لذاك سعيد الجدَ قال مؤرخاً                          بفضل حسين جلً مسجد عمان

 

في العام 1948 وضعت دراسة لتوسعة المسجد الحسيني تلبية للرغبة الملكية السامية وشكلت لجنة للبدأ بالإعمار الهاشمي الثاني للمسجد والذي استمر لأول الخمسينيات من القرن العشرين، حيث تمت توسعة صحن المسجد وأقيمت في وسطه مِيضأة، كما أضيفت المئذنة الغربية بارتفاع طابقين، وهي مشابهة للمئذنة الشرقية، غير أن الخوذة فيها حجرية وليست خشبية
وفي عامَي 1986 و1987 كان الاعمار الهاشمي الثالث للمسجد، حيث خضع المسجد لأعمال ترميم وتجديد كبرى.

وفي 17 من تموز 2019 شب في المسجد الحسيني، حيث قام جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم في 22 من تموز 2019 بزيارة المسجد، لتفقد آثار الحريق الذي اندلع في جزء منه، موعزا جلالته بإعادة تأهيل المسجد بما يليق بالمكانة الإسلامية والتاريخية له والحفاظ على طرازه المعماري، وشملت أعمال المشروع في المسجد، تجهيز منبر ومحراب جديدين، وواجهات خشبية مزخرفة، وتغطية أعمدة المسجد بالفسيفساء المقطعة يدوياً، صُممت ونفذت من قبل كوادر جامعة البلقاء التطبيقية، بالتنسيق مع لجنة مُتابعة تنفيذ مبادرات جلالة الملك. حيث جهّزت كوادر جامعة البلقاء التطبيقية منبراً مصنوعاً من خشب الجوز والبلوط الطبيعي، ويعد من الجيل الثالث لمنبر صلاح الدين في المسجد الأقصى المبارك، ويتطابق المنبران في عدد الدرجات والارتفاع.
وكان جلالة الملك أمر عام 2021 بإنشاء قبة سماوية زجاجية لتغطية الفناء الداخلي المسجد بعد تضرر مظلة الرواق الخارجية جراء تراكم الثلوج عليها، وتوسعة المساحة المخصصة للمصلين، وحمايتهم من الظروف الجوية المختلفة.

بتاريخ 7 تموز 2024 ومندوبا عن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، رعى سمو الأمير هاشم بن الحسين افتتاح مشروع الإعمار الهاشمي الرابع للمسجد الحسيني الكبير، حيث تم استكمال اعمال التوسعة والبناء والتي تضمنت تغطية فناء المسجد الداخلي بسقف زجاجي ذو هيكل مدني بزنة 50 طنا، إضافة الى الزخرفة الهندسية الاسلامية والجوانب الزجاجية مع فتحات متحركة لغايات التهوية، الى جانب تجهيزات لضمان السلامة والامان، ومظهر جمالي يحافظ على الهوية التراثية للمسجد. كما اشتمل المشروع على تأهيل ارضية الفناء والواجهات الداخلية المحيطة به، وتوحيد الاشكال وابعاد الاقواس، مع الإبقاء على البركة الصغيرة والقبة الخضراء، التي تعلوها وسط الفناء بعد اعادة تأهيلها، وتأهيل 16 من الاعمدة الحجرية التي تحمل السقف الزجاجي بعد اجراء أعمال التقوية الانشائية من خلال القواعد والاعمدة والتيجان، فضلا عن ازالة التشوهات البصرية وتنظيف حجر الواجهات الخارجية، وإعادة تبليط الساحة الخارجية وازالة كافة المعيقات منها، وعمل منحدر لذوي الهمم.

معرض الصور