قصر رغدان العامر

قصر رغدان العامر

يمثّل قصر رغدان العامر أوّلَ صرحٍ هاشمي في عمّان، ففيه قبسٌ من روح النهضة وعزمٌ من البناء والمضاء، وهو رمزٌ لحكم الهاشميين وحضورهم الخالد.

وجّه سمو الأمير (الملك لاحقاً) عبدالله بن الحسين، لبناء هذا القصر في عام 1924، ليكون مركزاً للحكم والقيادة، ومقراً للديوان الهاشمي، وبيتاً للأردنيين، وموئلاً للأحرار. وهو ما اضطلع به القصر باقتدار على مرّ الزمان.

شُيّد قصر رغدان وفقاً لطراز العمارة الإسلامية، على موقع مطلّ في مدينة عمّان القديمة كان يسمّى "تل الطهطور". واستُخدمت في بنائه الحجارة ذات اللون الوردي، والتي نُقلت من أرض معان. واستغرقت عملية بنائه التي تولّاها أمهر المعماريين من دمشق والقدس ونابلس، ثلاث سنوات تقريباً، إذ اكتملت في عام 1927.

وسمّي القصرُ "رغدانَ" تيمُّناً بالرغد والهناء وكمبعث للأمل والتفاؤل. يقول الشاعر: سمّي برغدانَ مِنْ عَيْشٍ بهِ رغِدٍ ما نالَهُ في قديمِ العهدِ غُمدانُ

وعلى مدى عقود، ظلّ قصر رغدان شاهداً على نشأة الدولة الأردنية ونهضتها بقيادة ملوك بني هاشم جيلاً بعد جيل، كما شهدت أروقته وجنباته الكثيرَ من الأحداث التاريخية المهمة.

ويطلّ القصر على باحة ذات شكل مستطيل، محاطة بسياج تعلوه أسنّةُ رماح ذهبية، وتجري فيها مراسم استقبال الضيوف واحتفالات عيد الاستقلال واليوبيل الفضّي والذهبي لميلاد الملوك الهاشميين وجلوسهم على العرش.

وتقود درجاتٌ حجرية دُشّن على جانبيها كُوخا حراسة أضيف إليهما التاجُ الملكي بعد إعلان استقلال المملكة عام ١٩٤٦، إلى بوابة القصر ذات الخشب العتيق المزيَّن بالتاج الملكي يعلوها شعاران متماثلان للدولة الأردنية.

ويفضي البابُ إلى بهوٍ مستطيل في الطابق الأرضي، ومنه إلى حجرات القصر، حيث تبرز فنون العمارة الإسلامية.

وعلى يمين الداخل من البهو الرئيسي، تقع حجرة استقبال، وأمامها ترتفع دكّة للصلاة مصنوعة من خشب الزان وأرضيتها من خشب الباركيه، وفي هذا المكان كان جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين يقضي أوقاتاً للعبادة والتهجُّد.

وتقود حجرة الاستقبال إلى قاعة واسعة مستطيلة ذات ستائر بارعة التصميم وزخرفة علوية بديعة من فنون العمارة الإسلامية. ولهذه القاعة استخدامات متنوعة، منها الاستقبال والاجتماعات واللقاءات. ومن ذلك أنها شهدت اجتماعات اللجان الإصلاحية التي كلّفها جلالة الملك عبدالله الثاني لاقتراح إصلاحات سياسية ودستورية وقضائية، وهي: اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور (2011)، واللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية (2012)، واللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون (2016).

أما إلى اليسار، فتقود حجرةُ الاستقبال إلى قاعة الديوان ذات المساحة الرحبة والمستطيلة والتي تتزيّا جوانبها وسقفها بالزخارف والأبيات الشعرية التي تتغنّى بالقصر، ومنها: فيه السيادةُ مرفوعٌ سُرادقُها وللسعادةِ في معناه أفنانُ

وفي هذه القاعة، يستقبل جلالة الملك ملوك دول العالم ورؤساءها وقادتها، وهي تتميز بوجود علَم جلالة الملك على يمين المقعد المخصص لجلوس جلالته، كما يوجد فيها مكتب خاص لجلالة الملك .

وبصعود الدرج، إلى اليمين أو إلى اليسار، تواجه المرءَ لوحةٌ زجاجية تغطي القوس الأوسط للبناء بكامله، وهي من نوع بديع مرسوم وملون بطريقة الفن التشكيلي، استُخدم فيها الزجاج الملون بأشكال تعبيرية متناسقة تمثل الواجهة الأمامية للقصر.

ويفضي الدرج إلى قاعة العرش في الطابق العلوي، والتي تمتاز بالرونق والبهاء، فمدخلها مصنوع من الخشب والزجاج المزين بإطار من الرخام المصقول والمرمر الأبيض، وتتسم باتساع مساحتها وزخارفها الجميلة وسقفها العالي الذي تتداخل فيها الرسومات لتشكل لوحة بديعة من الفن العربي-الإسلامي الأصيل.

يتصدر قاعةَ العرش إيوانٌ بيضاوي في خلفيّته شبابيك زجاجية، ومصطبة مرتفعة قليلاً يستقرّ فوقها كرسي العرش الهاشمي وبجانبه منضدة عليها زاوية خشبية من فنون الأرابيسك لوضع المصحف الشريف. وإلى يسار كرسي العرش راية المملكة الأردنية الهاشمية، وإلى يمينه علَم جلالة الملك.

وشهدت هذه القاعة مراسم توقيع قرار الاستقلال يوم 25 أيار 1946 على يد المغفور له جلالة الملك عبدالله بن الحسين، كما شهدت مراسم تتويج أصحاب الجلالة الملوك الهاشميين. وفيها تُجرى مراسمُ تقبُّل أوراق اعتماد السفراء لدى البلاط الملكي الهاشمي، وأداء اليمين الدستورية للحكومات الأردنية، وردّ مجلس الأمة على خطاب العرش السامي، بالإضافة إلى تقبُّل جلالة الملك التهاني بالأعياد الدينية والوطنية.

وفي هذ القاعة، سُجِّي الجثمان الطاهر لجلالة الملك الحسين بن طلال -طيب الله ثراه- وأُلقيت عليه النظرة الأخيرة من المشاركين في جنازته التي سُميت "جنازة العصر".

وإلى يسار الداخل إلى قاعة العرش، هناك بوابة واسعة ومرتفعة تفضي إلى قاعة الأمراء والأشراف التي تشتمل على أماكن للجلوس ولعرض عدد من الإهداءات لأصحاب الجلالة الملوك الهاشميين، منها مجسّم لقبة الصخرة المشرفة قُدم إلى المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال -طيب الله ثراه- بمناسبة الانتهاء من الإعمار الهاشمي الثالث عام ١٩٩٤.

وإلى يمين الداخل إلى قاعة العرش، بوابة واسعة ومرتفعة تفضي إلى قاعة السفراء، وهي تضم إهداءات وتذكارات مما قُدّم وأهدي إلى أصحاب الجلالة الملوك الهاشميين.

ويقف الزائر عند باب حجرة فوّاحة بعبق التاريخ، حيث أقام فيها الشريف الحسين بن علي أمير مكة وملك الحجاز وملك العرب وقائد الثورة العربية الكبرى، الشهور الأخيرة من حياته، واستقبل فيها زائريه الذين كان يقول لهم: "لقد انتعشتُ بمرآكم.. وإني أوصيكم بالمحبة والاتحاد".

وتتميز الحدائق المتنوعة التي تحيط بقصر رغدان بإطلالتها الجميلة على تلال عمّان، وتتزين بالأشجار المعمّرة ونباتات الزينة والورود.

يقول الشاعر مخاطباً قصر رغدان: رغدانُ يا رغدانُ كَمْ لكَ في العُلا *** علَمٌ وأنتَ محجّةُ التيجانِ.

معرض الصور