الميثاق الوطني 1990

الميثاق الوطني 1990

أصدر المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، إرادته السامية يوم أطلق جلالة الملك الحسين فكرة الميثاق الوطني من وحي إيمانه بأن الحياة الدستورية الديمقراطية هي خيار القيادة والشعب معاً، وأنها السبيل والمطلب المشترك إزاء النهج الديمقراطي الذي لا رجعة عنه.

وقال جلالته في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الأردني الحادي عشر (27 تشرين الثاني 1989): "استكمالاً للحياة النيابية والمسيرة الديمقراطية، فإننا سنؤلف لجنة ملكية لصياغة ميثاق وطني يرسم إطار مسيرتنا في العمل العام منبثقاً عن أحكام الدستور والثوابت التي تقوم عليها المملكة الأردنية الهاشمية، ويحدد المفاهيم المركزية الأساسية، الوطنية والقومية، التي ستسير الدولة على هديها وتعمل بموجبها، والتي ستقوم على أساسها وتنشط وفقها التنظيمات السياسية".

وبناء على هذا التصوُّر، أصدر جلالته إرادته السامية، يوم 9 نيسان 1990، بتأليف اللجنة الملَكية لصياغة الميثاق الوطني من ستين عضواً من ذوي الخبرة، روعي أن يمثلوا جميع أطياف المجتمع والاتجاهات الحزبية والسياسية في البلاد.

وعقدت اللجنة التي أُسندت رئاستها لرئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، اجتماعها الأول في اليوم التالي لصدور الإرادة الملكية، حيث خاطب جلالةُ الملك أعضاءَها معبّراً عن ثقته بنجاح الشوط الجديد على طريق الديمقراطية البرلمانية، مثلما تم بنجاحٍ الشوطُ الذي سبقه والذي بدأ بالانتخابات النيابية العامة في شهر تشرين الثاني من عام 1989.

ودعا جلالته إلى انتظام المجتمع بـ"عقد اجتماعي يتمحور حول الديمقراطية ويتأسّس على الدستور ويستظلّ بظلّه ويصونه ويحميه".

وقال جلالته إن مهمة اللجنة ستكون صياغةَ ميثاق وطني "يتلاقى عليه الجميع، ويجسّد الثوابت التي تقوم عليها المملكة بما يتفق مع أحكام وروح الدستور، ويكون التعبيرَ العمليَّ الصادق لجوهرنا الحضاري، ويعكس إدراكنا العميق للدروس المستخلَصة من تجربتنا وتجارب الآخرين، ويراعي متطلبات التنمية والأمن الوطني، ويشكل الدرعَ الواقي للديمقراطية والشاخصَ الذي يحدد المسار والمعيار الذي نقيس به صواب الاتجاه والدليل الذي تستهدي به مؤسسات الدولة المختلفة الحكومية منها والشعبية في ما تطرحه من اجتهادات وما ترسمه من سياسات وما تضعه من خطط تقتضيها وتستلزمها مصالح الشعب الحقيقية وتفرضها تحديات العصر والموقع ويوجهها التفاعل الإنساني والتقدم العلمي والتغيرات العالمية".

وأوضح جلالته أنّ الاستفادة من تجربة الماضي هي الضمانة الأولى للوقوف بوعيٍ مع الحاضر والاستشراف الشامل الواضح للمستقبل، وأن هذا لن يتم "إلّا إذا اعتمدنا أسلوبَ التفكير العلمي وانفتحنا على العالم وعمّقنا هويتنا القومية وحافظنا على ذاتنا الحضارية".

وأكد جلالته أن الديمقراطية لا تُحمى بغير الديمقراطية، و"أنّ مصلحتنا ومصلحة أجيالنا الآتية إنما تكمن في مثل هذه الحماية النبيلة".

وواصلت اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، واللجان المنبثقة عنها، عقْدَ اجتماعاتها على مدى ثمانية أشهر، في جوّ من الحوار الحر المسؤول وطرح الرأي والرأي الآخر، وأبدى جميع الأعضاء حرصَهم على مصلحة الوطن بوصفها فوق كلّ اعتبار، وتمسّكهم بالدستور مظلةً يستظلّ بها الجميع.

وفي أواخر عام 1990 أنهت اللجنة أعمالها، ورفعت مشروعَ الميثاق الوطني إلى جلالة الملك.

وفي 9 حزيران 1991، عُقد المؤتمر الوطني للميثاق الوطني الأردني، وشمله جلالته برعايته السامية.

وشارك في المؤتمر أكثر من ألفَي شخص يمثّلون الفعاليات المنتَخبة للأسرة الأردنية الواحدة والفعاليات السياسية والاجتماعية التي تضم أعضاء مجلسَي الأعيان والنواب والنقابات المهنية والمجالس البلدية والقروية، ورجال السياسة والفكر والصحافة والإعلام.

وقال جلالته في خطابٍ خلال افتتاح المؤتمر، إن تنظيم التعددية السياسية وحمايتها وبالتالي حماية الديمقراطية، استدعى وضع هذا الميثاق ليكون "بمثابة الوثيقة الفكرية المرجعية للعمل السياسي الأردني".

وأضاف أن مشروع الميثاق هو "حصيلة جهد فكري مخْلص"، وهو "وثيقة يشكل الالتزامُ بها والعمل على هديها القاعدةَ السلمية للتعددية السياسية التي بها تستكمل الديمقراطية شروطها".

وأكد جلالته أن هذه الوثيقة تُبرز القواسم المشتركة بين الأردنيين جميعاً في كل ما لا يمكن أن يختلفوا عليه، موضحاً أنّ "وحدة منطلقاتنا التي لا خلاف حولها، ووحدة أهدافنا التي لا ريب فيها، هما الأمران اللذان استدعيا أن يكون فيما بيننا عقدٌ اجتماعي نستضيء به ويكون معيارَ العمل الوطني في هذه المسافة الممتدة بين المنطلقات والأهداف".

وبعد أن صادق المؤتمرون على الميثاق الوطني، ألقى جلالته خطاباً قال فيه إنّ هذه المصادقة تعني أن سبيل التعددية السياسية "أصبح ممهَّداً وآمناً من المنزلقات أو الانحرافات". وأضاف: "إذا كان الدستور هو أساسُ بنيان الدولة وسياجها الحامي، فإنّ الميثاق الوطني هو مرجعُها الفكري في عملية إعلاء هذا البنيان ودفع عجلة التقدم فيه".

وبيّن جلالته أنّ النقلة التالية ستكون في اتجاه استكمال التعددية السياسية، وذلك بتعديل قانون تشكيل الأحزاب السياسية وفق أحكام الدستور واسترشاداً بمبادئ الميثاق، وبالترخيص للأحزاب السياسية وفق قانون الأحزاب المنتظَر تشريعه.

وأكد أنّ الدستور والميثاق الوطني وما سينبثق عنهما من قوانين وتشريعات، كلها أركان مهمة في بنيان دولة القانون والمجتمع الديمقراطي، ولكن ما لا يقل عنها أهمية "هم المواطنون أنفسهم في مختلف مواقعهم ومؤسساتهم، باعتبارهم المعبّرين عن الديمقراطية قولاً وعملاً".

يشار إلى أن الميثاق الوطني وضعَ قواعد الحياة المجتمعية في البلاد، وشدّد على أهمية ترسيخ دعائم القانون وسيادته، وتعميق النهج الديمقراطي القائم على التعددية السياسية، وأكد أن الحضارة العربية الإسلامية هي قوام هوية الشعب الأردني الوطنية والقومية.

وضَمِنَ الميثاقُ حرياتِ المواطن الأساسية، وأكد على ضرورة احترام معتقدات الآخرين، ونصّ على تحقيق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، رجالاً ونساء، وجعل رابطة المواطنة الأساسَ الذي تقوم عليه الصلة بين جميع الأردنيين.

ومما أقرّه الميثاق أيضاً، أنّ التعددية السياسية والحزبية والفكرية هي السبيل لتأهيل الديمقراطية، وتحقيق مشاركة الشعب في إدارة شؤون الدولة.