ذكرى معركة الكرامة

ذكرى معركة الكرامة- 21 آذار

يحيي الأردنيون في الحادي والعشرين من آذار، ذكرى معركة الكرامة، التي تُمثّل نقطة تحول وانعطافة مهمة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وبخاصة أنها جاءت بعد حرب حزيران 1967 التي سُمّيت "النكسة" وانتهت باحتلال إسرائيل أراضيَ من ثلاث دول عربية هي الأردن ومصر وسوريا.

ففي "الكرامة" أحرز الجيش العربي الأردني أولَ نصر عربي على الجيش الإسرائيلي الذي فشل في تحقيق مقاصده ومُني بالهزيمة.

وكانت المعركة قد بدأت حين حاولت القوات الإسرائيلية العبور إلى الأراضي الأردنية عند الساعة الخامسة والنصف من صبيحة يوم الخميس 21 آذار 1968، حيث شنّت هجوماً مفاجئاً بقوةٍ عسكرية مدعومة بسلاحَي الجو والمدفعية، بُغية تدمير الجيش العربي الأردني، واحتلال المرتفعات الغربية للأردن، وتحطيم الروح المعنوية العالية في نفوس أبناء القوات المسلحة الأردنية والشعب الأردني، والعمل على تدمير الاقتصاد الزراعي في وادي الأردن.

وجاء الهجوم الإسرائيلي على الأردن من أربعة محاور هي:

  • المثلث المصري على طريق جسر الأمير محمد (جسر داميا).
  • مثلث الشونة الجنوبية-السلط على طريق جسر الملك الحسين.
  • مثلث عمّان-الشونة على طريق جسر الأمير عبدالله.
  • غور الصافي باتجاه طريق الكرك.

لكن القوات المسلحة الأردنية كانت بالمرصاد، إذ قدّم الجيش العربي الأردني أروع البطولات في الدفاع عن حمى الوطن، ما اضطر إسرائيل -وللمرة الأولى في تاريخها العسكري- أن تطلب وقف إطلاق النار، إلّا أن جلالة الملك الحسين رفض وقف إطلاق النار ما دام هناك جنديّ إسرائيلي واحد شرق نهر الأردن، وهكذا أُجبِرت القوات المعتدية على الانسحاب.

وأثناء المعركة، وجّه جلالة الملك الحسين رسالة إلى إخوانه ملوك الدول العربية ورؤسائها، وضعهم فيها بصورة ما يجري، وقال: "لقد كان من المتوقَّع أن يقوم العدو بعملياته العدوانية هذه على بلدنا الذي يعتزّ بأنه يكتب الصفحة تلو الصفحة في سجل الشرف والخلود ويصوغ كل ذلك بالدماء الزكية يبذلها جيشه الأبي وشعبه الأمين، وهو البلد الذي يقف درعاً يحمي أمة العرب ويحفظ أملهم في استعادة حقهم سواء منهم من بقي خلفه، أو بات ينتظر ساعة الخلاص حيث يعيش على الأمل في أرضنا المحتلة".

وأكد جلالته أنّ في طليعة الأسباب التي سهّلت قيامَ العدوان وشجّعتْ على اقتراف المزيد منه، "معرفة العدو معرفةً دقيقة وأكيدة بحقائق الوضع العربي تجمُّعاً وحشداً وإعداداً"، موضحاً: "بينما يعمل العدو يداً واحدة وهدفاً واحداً، فإنه يعرف حقيقة الإمكانات والطاقات التي وضعتها الأمة العربية قبالته في الميزان، وهو أيضاً يعلم أننا نكتفي بالتحدث عن الصف العربي ووحدته من غير أن نعمل جدّياً على بنائه عربياً سليماً يتطابق فيه الاسم مع المضمون الذي كان لِصَفِّنا العربي والإسلامي يومَ كان لنا آباء وأجداد يؤْثرون الموت في سبيل الله والوطن والعقيدة على كل عرضٍ في هذه الدنيا الزائلة".

واستذكر الحسين مجريات هذه المعركة، في كلمة ألقاها بمناسبة إزاحة الستار عن النصب التذكاري تخليداً لشهداء معركة الكرامة (25 أيار 1976)، قال فيها: "في فجر ذلك اليوم مشى الصلف والغرور في ألويةٍ من الحديد ومواكب من النار، وكانت أرضُنا الخضراء ما تزال تغفو بشجرها وزرعها، بنسائها وأطفالها على ضفاف النهر. وبدأ الزحف الآثم يحرق خضرةَ الأرض ويدكّ البيوت والمساجد والمدارس فوق رؤوس الناس. وكانت الأُسود تربض في الجنبات على أكتاف السفوح وفوق القمم، في يدها القليلُ من السلاح والكثيرُ من العزم، وفي قلوبها العميقُ من الإيمان بالله والوطن. وتفجّر زئير الأُسود في وجه المدّ الأسود: الله أكبر. وعندما انتصف النهار، ذلك اليوم، كان الصلفُ قد تحوّل إلى مذلّة، والغرور قد استحال إلى هوان، وكان النشامى قد نشروا رايات الفرح في سماء الأردن، وراحت الرايات تتسع وتمتد لتنشر في سماء العرب، وهُزمت الأسطورة، هوت إلى الأبد، واستعادت النفسُ العربية ثقتها واستردّ الإنسان العربي عزته وكرامته، في يوم العزة، يوم الكرامة".

لقد جسّدت معركة الكرامة معاني البطولة والشجاعة التي تحلّت بها القيادة الهاشمية والقوات المسلحة الأردنية، والتي كانت نتيجتها هزيمة الجيش الإسرائيلي وانسحابه من أرض المعركة، وذلك بعد أن بلغت خسائره نحو 250 قتيلاً و450 جريحاً، بالإضافة إلى تدمير عدد كبير من آلياته ومعداته. أما الجيش العربي الأردني، فقدم في سبيل أرضه وقضيته 86 شهيداً، وأصيب 108 من منتسبيه.

ومن مآثر معركة الكرامة الخالدة، أنها أسهمت في رفع معنويات الإنسان العربي، وإعادة ثقته بنفسه، في الوقت الذي تحطّمت فيه أسطورة التفوُّق العسكري لإسرائيل وتهاوت مقولةُ "الجيش الذي لا يُقهَر". وقد استعرض الحسين الدروس المستفادة من هذه المعركة، قائلاً في رسالته إلى القوات المسلحة الأردنية يوم 23 آذار 1968، إنها تتمثل في "أن الصلف والغرور يؤديان إلى الهزيمة، وأن الإيمان بالله والتصميم على الثبات مهما كانت التضحيات هما الطريق الأول إلى النصر، وأن الاعتماد على النفس أولاً وأخيراً ووضوح الغاية ونبل الهدف هي التي تمنحنا الراحة حين نقرر أننا ثابتون صامدون حتى الموت، مصممون على ذلك، لا نتزحزح ولا نتراجع مهما كانت التحديات والصعاب، منتبهين متيقظين لكل شر مرتقب وعدوان ممكن".

معرض الصور
[vls_gf_album id="1112"]