صرح الشهيد

صرح الشهيد

أقامت القوات المسلحة الأردنية صرحَ الشهيد تخليداً لذكرى الشهداء من أفراد الجيش العربي الذين ارتقوا في ساحات القتال دفاعاً عن ثرى الوطن وانتصاراً لقضايا العرب، وعلى الأخص في فلسطين.

وافتتح المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، طيّب الله ثراه، هذا الصرح الذي أُنشئ على ربوة مرتفعة في منطقة مدينة الحسين للشباب، يوم 25 تموز 1977، ضمن احتفالات المملكة باليوبيل الفضّي لجلوس جلالته على العرش.

وقال جلالته في خطابه: “هذا الصرح يرمز للشهيد الذي قدّم روحه ونفسه لله وللوطن في معارك الجهاد دفاعاً عن الوطن والأمة وعن المقدسات والمبادئ التي يقوم عليها كيانُ هذا البلد”. وأكد أن هذا الصرح “تجسيدٌ لصلة التاريخ بالمستقبل، والوطن بالتراث، والماضي بالحاضر، والشهادة بالحياة”.

ويتكوّن الصرح من بناء ضخم طوله 38 متراً وعرضه 27 متراً وارتفاعه 13.50 متراً، وهو من الحجر الأبيض يزيّنه شريط أسود من حجر البازلت كُتبت عليه آيات قرآنية تحثّ على الشهادة في سبيل الله ودفاعاً عن الأرض.

ويتكون الصرح من ساحتين؛ أمامية وخلفية. أما الساحة الأمامية فمحاطةٌ بالأشجار وتُعرض فيها آليات عسكرية ومدافع وأسلحة شاركت في المعارك التي خاضها الجيش العربي الأردني دفاعاً عن فلسطين وقضايا الأمة العربية. بينما تربض في الساحة الخلفية طائرة حربية من طراز “هوكر هنتر” تابعة لسلاح الجو الملكي الأردني شاركت في معركة السموع عام 1966 وكان يقودها آنذاك النقيب الطيار إحسان شردم وأسقط بها طائرتين مقاتلتين إسرائيليتين.

ويلفت انتباه الزوار الشكل الخماسيّ للمبنى الذي تزيّن الجزءَ العلويَّ من جدرانه الخارجية من الجهات الأربع آياتٌ قرآنية كريمة كُتبت بماء الذهب تمجّد الشهداء وتحثّ على الشهادة في سبيل الله ودفاعاً عن الوطن.

ويجتاز الزائر بوابة كبيرة عند المدخل تفضي إلى قاعة واسعة تعرض محتويات الصرح عن طريق الصعود التدريجي. وتتوزع محتويات الصرح على ثلاثة أجنحة رئيسية: جناح الثورة العربية الكبرى، وجناح الإمارة الأردنية، وجناح تطور القوات المسلحة الأردنية.

ويحتوي جناح الثورة العربية الكبرى على وثائق وأسلحة ومعدات وصور ومهمات تتعلق بالثورة العربية الكبرى التي انطلقت في 10 حزيران 1916 بقيادة الشريف الحسين بن علي من أجل استقلال العرب ووحدتهم ولتحريرهم من الحكم العثماني والتصدي لمحاولات التتريك وطمس هويتهم القومية والثقافية. وفي هذا الجناح 14 خزانة، من أهم محتوياتها المنشور الأول للثورة الذي وجّهه الشريف الحسين بن علي إلى المسلمين كافة موضحاً فيه أسباب الثورة وأهدافها، وسجلّ للمعارك التي خاضتها قوات الثورة والمناطق التي حررتها ونتائج الثورة، إضافة إلى بعض الأدوات الشخصية التي استخدمها الشريف الحسين بن علي.
ويواصل الزائر صعوده وصولاً إلى الجناح الثاني الذي تروي محتوياته مراحلَ تأسيس إمارة شرق الأردن في عام 1921 وبناء نواة الجيش العربي في عهد الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين. وهناك مقتنيات تعود إلى مرحلة تأسيس الإمارة وقيام المملكة الأردنية الهاشمية واستقلالها عام 1946، تُجسّد الأحداث السياسية والعسكرية وتحكي قصة إنشاء الجيش وتطوره ودوره في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 وصموده على أسوار القدس وتضحياته في مناطق فلسطين أثناء المعارك التي خاضها وأبرزها معارك القدس واللطرون وباب الواد في الضفة الغربية.

وتتوالى رحلة الصعود وصولاً إلى الجناح الثالث لمشاهدة محتويات 20 خزانة تجسّد أبرز محطات المرحلة الجديدة التي دخلها الأردن في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال، وحرصه على بناء وتطوير القوات المسلحة بدءاً من تعريب قيادة الجيش وإقصاء الجنرال كلوب عن رئاسة أركان الجيش في مطلع شهر آذار من عام 1956. وتسرد معروضات هذا الجناح مراحل تطور القوات المسلحة الأردنية، وصنوف أسلحتها، ودور الجيش العربي في الصراع العربي الإسرائيلي في حرب 1967 وفي معركة الكرامة عام 1968، والمشاركة في المعارك مع الأشقاء السوريين في هضبة الجولان العربية في حرب 1973. وتعرض خزائن أخرى مقتنيات شخصية للملك الحسين تضم ملابس عسكرية ومدنية وأسلحة شخصية وأدوات خاصة.

وتنتهي رحلة الزائر عند الساحة العلوية التي تضم حديقة فيها “شجرة الحياة”، وهي شجرة الزيتون التي اتُّخذت رمزاً لصرح الشهيد بوصفها شجرة مباركة ذُكرت في القرآن الكريم وترمز إلى السلام والخلود. ويسقي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين هذه الشجرة بيده في العاشر من شهر حزيران من كل عام احتفاءً بذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش. وتتزيّن الساحة العلوية للصرح بأسماء الشهداء مكتوبة بماء الذهب تخليداً لبطولاتهم وتضحياتهم وعرفاناً من القوات المسلحة وقيادتها العليا لأهل الشهداء وذويهم والوحدات العسكرية التي كانوا ينتمون إليها قبل استشهادهم.

وقد شهد جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، يوم 12 كانون الأول 2016، ضمن مراسم عسكرية مهيبة جرت في صرح الشهيد، مواراة رفات أحد شهداء الجيش العربي في معارك القدس، وإعادة افتتاح الصرح ضمن احتفالات المملكة بمئوية الثورة العربية الكبرى.

وفي عيد النهضة ويوم الجيش اللذَين يحتفل الأردن بهما يوم 10 حزيران، يقام احتفال رسمي يستعرض فيه جلالة الملك مفارز من وحدات الجيش في الساحة الواقعة أمام الصرح، ثم يصعد إلى حيث شجرة الحياة فيسقيها من ماء البركة المحيطة بالشجرة، بينما يعزف الصدّاحون لحن الرجوع الأخير إحياءً لذكرى الشهداء.

ويستقبل صرح الشهيد الزائرين يومياً بين الساعتين الثامنة صباحاً والرابعة عصراً، باستثناء أيام الجمعة والأعياد والعطل الرسمية.

ومن الجدير بالذكر أن زائري الأردن من رؤساء الدول وزعماء الشعوب يقومون بزيارة هذا الصرح وسقي شجرة الحياة باعتبار الصرح المعلمَ القوميَّ والوطني الذي يرمز لكرامة البلاد وعزّتها من خلال الشهداء الأبرار.

معرض الصور