الدستور الأردني لعام 1952
شهدت المملكة الأردنية الهاشمية بعد صدور دستور العام 1946 تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية فرضت إلغاء العمل بذلك الدستور والسعي نحو إصدار دستور جديد يتبنى النظام حكما نيابية ديمقراطية كاملا، فقد اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية وما استتبعها من احتلال اجزاء من فلسطين في العام 1948 ولجوء عدد كبير من الفلسطينيين إلى الأردن.
أما التطور الآخر الذي ساهم في إصدار الدستور الأردني الحالي لعام 1952، فيتمثل في قرار الوحدة بين الضفتين. ففي إطار سعي الملك المؤسس عبدالله بن الحسين لمواجهة آثار حرب العام 1948 والحفاظ على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.
فقد العديد من المؤتمرات ذات طبيعة شعبية كبيرة كمؤتمر نابلس ومؤتمر أريحا ومؤتمر عمان إذ طالبت هذه المؤتمرات بإنشاء دولة واحدة تضم الضفتين الشرقية والغربية، إلا أن هذه المؤتمرات أيضا كانت تطالب بأن تتم هذه الوحدة في إطار إصدار دستور جديد يكون ديمقراطيا نيابيا.
وبعد تحقق الوحدة بين الضفتين في العام 1950، بدأت النقاشات تكبر داخل مجلس النواب متطرقة إلى وعد الحكومة بإعداد دستور ديمقراطي ليحل مكان دستور 1946، إذ تم تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد الذي تم إقراره من قبل مجلس الأمة الأردني بشقيه الأعيان والنواب في أواخر العام 1951.وصادق عليه المغفور له الملك طلال بن عبدالله في 8 كانون الثاني 1952.
ويعد دستور عام 1952 من الدساتير التي نشأت عن طريق العقد، فقد أبرم بين الحاكم والشعب من خلال ممثليه المنتخبين في المجلس النيابي.
وأهم ما يمتاز به دستور العام 1952 عن بقية الدساتير انه يعد دستورا متطورا في مجال نظام الحكم إذ تحول نظام الحكم إلى نظام سياسي نيابي ملكي وراثي كامل يعتمد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث بشكل مرن واستقلال السلطات عن بعضها بعضا في إطار من الرقابة المتبادلة بين هذه السلطات.
والتأكيد على الهوية القومية العربية للشعب الأردني، وقد تمثل ذلك في المادة الأولى من الدستور التي تنص على ان "المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ. ولا ينزل عن شيء منه، والشعب الأردني جزء من الأمة العربية "
كما يعد دستور العام 1952 بمثابة تحول في الحياة السياسية الأردنية فمن ناحية جاء هذا الدستور بعيد مطالبات قوى سياسية وشعبية بأن تكون الأمة مصدر السلطات وقد تمثل ذلك في المــادة (24 ) من الدستور التي تنص على أن الأمة مصدر السلطات ،وتمارس سلطاتها على الوجه المبين في الدستور ترسيخاً لمبدأ سيادة الأمة ، وتوسيع صلاحيات مجلس النواب وسلطاته باعتباره يمثل الشعب ويعبر عن همومهم وطموحاتهم، وأن تكون الحكومة مسؤولة مسؤولية مباشرة امام مجلس النواب بحيث يستطيع المجلس أن يمنح الثقة للحكومة لكي تباشر أعمالـها وأن يحجب الثقة عنها فتجبر على الاستقالة بموجب الدستور .
كما نظم الحقوق والحريات العامة للمواطنين استنادا إلى قاعدة أساسية قوامها المساواة، فاعتبر الأردنيين متساوين أمام القانون لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة او الدين.
بالإضافة إلى أنه قرر تشكيل ديوان المحاسبة لمراقبة إيراد الدولة ونفقاتها وطرق صرفها، على أن يقدم ديوان المحاسبة على مجلس النواب تقريراً عاماً يتضمن آراءه وملحوظاته وبيان المخالفات المرتكبة والمسؤولية المترتبة عليها، وذلك في بدء كل دورة عادية أو كلما طلب مجلس النواب منه ذلك.
لذا جاء دستور العام 1952 أكثر شمولية من سابقه من الدساتير إذا غطى معظم مواطن الخلل والضعف التي احتوتها الدساتير التي سبقته، وعالج جميع القضايا المتعلقة بالجوانب السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وجاء عند إصداره في تسعة فصول رئيسية هي: الدولة ونظام الحكم فيها، وحقوق الأردنيين وواجباتهم، وسلطات الدولة المتمثلة في السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، والشؤون المالية ومواد عامة ونفاذ القوانين وإلغاؤها.
وقد نص الدستور الأردني لعام 1952 في الفصل الأول (الدولة ونظام الحكم فيها) من المادة 1-4 على ان المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه والشعب الأردني جزء من الأمة العربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي. دينها الاسلام واللغة العربية لغتها الرسمية وعاصمتها عمان ثم شكل الراية وقياسها.
أما الفصل الثاني (حقوق الأردنيين وواجباتهم) من المادة (5-23) فتضمن تحديد الجنسية الأردنية والمساواة أمام القانون وصيانة الحرية الشخصية وحماية الدولة حرية القيام الشعائر الدينية والحريات العامة وحق المواطن في العمل والتعليم.
وجاء في الفصل الثالث (السلطات -أحكام عامة) من المادة (24-27) أن الأمة مصدر السلطات، وأن السلطة التشريعية تناط بمجلس الأمة والملك، ويتألف مجلس الأمة من مجلس الأعيان والنواب وهناك السلطة التنفيذية بالملك يتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام هذا الدستور. والسلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها درجاتها.
وتشتمل الفصل الرابع (السلطة التنفيذية) القسم الأول (الملك وحقوقه) من المادة (28-40) على أن عرش المملكة الأردنية الهاشمية وراثي في أسرة الملك عبدالله بن الحسين، وتكون وراثة العرش في الذكور من أولاد الظهور وان يقسم الملك اثر تبوئه العرش امام مجلس الأمة الذي يلتئم برئاسة رئيس مجلس الأعيان – أن يحافظ على الدستور وأن يخلص للأمة، وهو رأس الدولة المصون من كل تبعة ومسؤولية، يصدق على القوانين ويصدرها وهو القائد الأعلى للقوات البرية والبحرية والجوية ،وأن الملك هو الذي يصدر الأوامر بإجراء الانتخابات لمجلس النواب ويعين أعضاء مجلس الأعيان ،ويدعوا مجلس الأمة إلى الاجتماع ويفتتحه ويؤجله ويفضه ويحل مجلس الأمة ،وهو الذي يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء كما له الحق في أن ينشى ويمنح ويسترد الرتب المدنية والعسكرية والأوسمة والألقاب .ولا ينفذ حكم الإعدام الا بعد تصديق الملك الذي يمارس صلاحياته بإرادة ملكية .
أما القسم الثاني (الوزراء) من المادة (41-61) ويتضمن تأليف مجلس الوزراء وقسم رئيس الوزراء قبل مباشرتهم أعمالهم اليمين أمام الملك (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للملك وان أحافظ على الدستور وأن أخدم الأمة وأقوم بالواجبات الموكلة إلى بأمانة)، وأن يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ومسؤولية الوزير عن جميع الأمور المتعلقة بوزراته.
عند استقالة رئيس الوزراء او أقالته يعتبر جميع الوزراء مستقيلين أو مقالين بطبيعة الحال، وإن رئيس الوزراء والوزراء مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته، لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضواً في مجلس الأعيان أو النواب حق التصويت في مجلسه وحق الكلام في كلا المجلسين، أما الوزراء الذين ليسوا من أعضاء أحد المجلسين فلهم أن يتكلموا فيهما دون ان يكون لهم حق التصويت، يحكم الوزراء أمام مجلس عال على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم ،ويحق لمجلس النواب إتهام الوزراء ويصدر قرار الاتهام بأكثرية ثلثي أصوات الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب ويتولى مجموعة من الأعضاء تقديم الاتهام وتأييده أمام المجلس العالي.
ونص الفصل الخامس (السلطة التشريعية – مجلس الأمة )على قسمين:
القسم الأول (مجلس الأعيان) من المادة (63-66) على أن يتألف مجلس الأعيان بما فيه الرئيس من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب، ويشترط في عضو المجلس أن يكون قد أتم الربعين سنة من عمره وأن يكون من إحدى الفئات التالية: رؤساء الوزراء والوزراء الحاليون والسابقون ومن أشغل مناصب السفراء والوزراء المفوضين ورؤساء مجلس النواب ورؤساء وقضاة محكمة التميز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية والضباط المتقاعدون من رتبة أمير لواء فصاعدا والنواب السابقون الذين انتخبوا للنيابة لا أقل من مرتين من ماثل هؤلاء من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة الوطن ،ومدة عضوية المجلس ورئاسته ،على ان يجتمع مجلس الأعيان عند اجتماع مجلس النواب وتكون أدوار الانعقاد واحدة للمجلسين وغذا حل مجلس النواب توقف جلسات مجلس الأعيان .
أما القسم الثاني ( مجلس النواب ) من المادة (67-74) فنص على أن يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفقا لقانون الانتخاب ، يجرى الانتخاب خلال الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء مدة المجلس فإذا لم يكن الانتخاب قد تم عند انتهاء مدة المجلس أو تأخر بسبب من الأسباب يبقى المجلس قائما حتى يتم انتخاب المجلس الجديد ،وينتخب مجلس النواب في بدء كل دورة عادية رئيساً له لمدة سنة ويجوز إعادة انتخابه ،إذا حل مجلس النواب فيجب اجراء انتخاب عام بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل بأربعة اشهر على الأكثر .
القسم الثالث: (أحكام شاملة للمجلسين) من المادة (75-96) فقد اشتملت على شروط عضوية مجلس المجلسين وعدم جواز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان او النواب وبين الوظائف العامة وكذلك لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان والنواب. يدعو الملك مجلس الأمة إلى الاجتماع في دورته العادية في اليوم الأول من شهر تشرين الأول من كل سنة ولمدة أربعة أشهر ،ويفتتح الملك الدورة العادية لمجلس الأمة بإلقاء خطبة العرش في المجلسين مجتمعين وله ان ينيب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء ليقوم بمراسم الافتتاح وإلقاء خطبة العرش ،ويقدم كل من المجلسين عريضة يضمنها جوابه عنها ،وللملك ان يؤجل بإرادة ملكية جلسات مجلس الأمة ثلاث مرات فقط ، وله ان يدعو عند الضرورة مجلس الأمة إلى الاجتماع في دورات استثنائية .على كل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب قبل الشروع في عمله أن يقسم امام مجلسه يمينا هذا نصها :أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للملك ،وأن أحافظ على الدستور وأن اخدم الأمة وأقوم بالواجبات الموكولة إلي حق القيام )
ويضع كل من المجلسين أنظمة داخلية لضبط وتنظيم إجراءاته. ولا يعتبر جلسة أي من المجلسين قانونية إلا إذا حضرها ثلثا أعضاء المجلس وتصدر القرارات كل من المجلسين بأكثرية الأصوات وتكون الجلسات علنية على أنه يجوز عقد جلسات سرية بناء على طلب من الحكومة او طلب من الأعضاء حيث يقرر المجلس قبول الطلب او رفضه. ولا يوقف أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم مالم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته. ويحق لكل عضو من أعضاء المجلسين ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي ينتسب إليه، وأن يوجه إلى الوزارة أسئلة واستجوابات حول أي أمر من الأمور العامة.
يعرض رئيس الوزراء مشروع كل قانون على مجلس النواب الذي له حق قبول المشروع او تعديله او رفضه وفي جميع الحالات يرفع المشروع على مجلس الأعيان ولا يصدر قانون الا إذا اقره المجلسان وصدق عليه الملك، وإذا رفض أحد المجلسين مشروع أي قانون مرتين وقبله المجلس الآخر معدلا أو غير معدل يجتمع المجلسان في جلسة مشتركة يرأسها رئيس مجلس الأعيان لبحث المواد المختلف فيها ويشترط لقبول المشروع أن يصدر قرار المشترك بأكثرية الأعضاء الحاضرين وعندما يرفض المشروع لا يقدم مرة ثانية إلى المجلس في الدورة نفسها .
وتضمن الفصل السادس (السلطة القضائية) من المادة (97-110) استقلالية القضاء وأنه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون، ثم أنواع المحاكم ودرجاتها (من محاكم نظامية ومحاكم دينية ومحاكم خاصة.
ويتناول الفصل السابع (الشؤون المالية) من المادة (111-119) بحيث لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون وأن يقدم مشروع قانون الموازن العامة إلى مجلس الأمة قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد عل القل للنظر فيه وفق أحكام الدستور، وقيام ديوان المحاسبة بمراقبة إيرادات الدولة ونفقاتها وطرق صرفها.
وجاء الفصل الثامن (مواد عامة) من المادة (120-127) التقسيمات الإدارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسماؤها ومنهاج إدارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والاشراف عليهم وحدود صلاحيتهم، واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك. الشؤون البلدية والمجالس المحلية تديرها مجالس بلدية أو محلية وفقاً لقوانين خاصة، وحق المجلس العالي في تفسير أحكام الدستور إذا طلب إليه ذلك، وإذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية.
أما الفصل التاسع (نفاذ القوانين والإلغاءات) من المادة (128-131) فاشتمل على نفاذ هذا الدستور من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وتكليف هيئة الوزارة بتنفيذ الدستور، وإلغاء دستور عام 1946مع ما طرأ عليه من تعديلات.